البُركان فتحة في سطح الأرض، تتفجر وتثور من خلالها الحمم، والغازات الحارة، والشظايا الصخرية. وتتشكل هذه الفتحة عند اندفاع الصخر المنصهر من باطن الأرض، متفجرًا على سطح الأرض. تكون معظم البراكين على هيئة جبال، وبخاصة الجبال المخروطية الشكل التي تكونت حول الفتحة نتيجة تجمع وتراكم الحمم ومواد أخرى قُذِفت إلى سطح الأرض أثناء الثوران البركاني.
ومنظر ثوران الجبال البركانية منظر مثير. وفي بعض حالات الثوران البركاني، ترتفع سحب كثيفة ملتهبة فوق فوهة جبل البركان، كما تنساب أنهار من الحمم المتقدة المتوهجة على جوانب الجبل. وفي حالات أخرى ينطلق الرماد البركاني الحار ذو اللون الأحمر مع حبيبات أكبر حجمًا من الرماد من قمة الجبل، كما تنطلق قطعٌ من الصخر الملتهب، وتتفجر عاليًا في الهواء. وقلة من الثورانات البركانية تكون عنيفة جدًا، تعصف بالجبل البركاني.
وقد يحدث بعض الثوران البركاني في الجزر البركانية. وهذه الجزر قمم جبال بركانية، كانت قد تشكَّلت وبُنيت في قاع المحيط نتيجة ثورانات بركانية متكررة. كما تحدث ثورانات بركانية أخرى على امتداد بعض الشقوق الضيقة في قاع المحيط، حيث تخرج الحمم البركانية عبر الشقوق مُكَوِّنة قاع البحر.
وقد درج الناس دومًا على أن يُفتَنوا بمنظر الثورانات البركانية، وأن يُرَوَّعوا من جبروتها. وقد كانت الثورانات البركانية سببًا في حدوث بعض الكوارث التاريخية، حيث أزالت مدناً بكاملها، وقتلت آلاف الناس.كما أدت البراكين في فجر التاريخ دورًا مهماً في المعتقدات الدينية لبعض الشعوب.
كيف يتكوُّن البركان
تؤدي القوى الهائلة الموجودة في باطن الأرض إلى تكوُّن البراكين. ولم يهتد العلماء بعد إلى الفهم الكامل لطبيعة هذه القوى. ولكنهم طوروا نظريات تدور حول كيفية تكوين هذه القوى للبراكين. ويشرح هذا الباب كيف وضَّح جمهور العلماء بداية البركان وثورانه.
بداية البركان: يبدأ البركان على هيئة صخور منصهرة في باطن الأرض يُطلق عليها اسم صُهارة. تتكون هذه الصُّهارات نتيجة للحرارة الشديدة لباطن الأرض. وعند أعماق معينة تكون حرارة باطن الأرض شديدة، بحيث تُصهر الصخور داخل الأرض. وعند انصهار هذه الصخور الباطنية فإنها تطلق كميات كبيرة من الغازات، تختلط بدورها بالصهارة. وتتكون معظم الصهارات على أعماق قد تصل إلى مايقرب من 80 إلى 160كم تحت سطح الأرض، كما أن بعضها يتكون عند أعماق قد تصل إلى مايقرب من 25 إلى50كم.
ثم ترتفع الصهارة المليئة بالغازات تدريجيًا نحو سطح الأرض، وذلك لكونها أخف وزنًا من الصخور الصلبة المحيطة بها. وعند صعود الصهارة، فإنها تقوم بصهر فجوات في الصخور المحيطة. وكلما ازداد صعود الصهارة فإنها تشكَّل حجرة كبيرة على بعد ثلاثة كيلو مترات تحت سطح الأرض. وتقوم حُجرة الصهارة هذه بدور المستودع أو الخزان الذي تنطلق منه المواد البركانية إلى سطح الأرض.
ثوران البركان: تكون الصهارة المليئة بالغازات والموجودة في المستودع، تحت ضغط شديد من جراء كثافة وزن الصخور الصلبة المحيطة بها. يؤدي هذا الضغط بالصهارة إلى صهر أو شق قصبة (قناة) خلال جزء متشقق ضعيف من الصخور المحيطة. وتصعد الصهارة إلى أعلى عبر هذه القصبة إلى سطح الأرض.
وعندما تقترب الصهارة من سطح الأرض، فإن الغاز المذاب بها يتحرر وينطلق. ويشق الغاز والصهارة فتحة، ينطلقان منها تسمى الفتحة المركزية. وتثور معظم الصهارة والمواد البركانية الأخرى عبر هذه الفتحة. وتتراكم المواد البركانية تدريجيًا حول هذه الفتحة بانيةً جبلاً بركانيًا أو بركانًا. وبعد هدوء الثوران تتشكّل فوهة على شكل قوس على قمة البركان. وتكون فتحة البركان الرئيسة أسفل هذه الفوهة.
ولدى اكتمال تشكّل البركان، فإن الصهارة من الثورانات البركانية اللاحقة، لاتصل كلها إلى سطح الأرض عبر الفتحة المركزية. فأثناء صعود الصهارة، يشق جزء منها جدران القصبة، ثُمَّ تندفع الصهارة عبر الشقوق مُشَكِّلة قنوات أصغر حجما من قصبة البركان. وقد تندفع الصهارة في هذه القنوات الفرعية محدثة فتحة جديدة في جانب البركان. وقد تبقى هذه الصهارة كامنة تحت سطح الأرض.
|
كيفية ثوران جـبل بركانـي يبدأ الثوران عندما تصعد الصهارة (صخر مصهور في باطن الأرض) نحو سطح الأرض، كما يظهر في الصورة إلى اليسار وتتجمع في حجرة الصهارة تحت البركان. ويدفع الضغط المطبق على حجرة الصهارة إلى أعلى عبر قصبة البركان، كما يبدو في الصورة إلى اليمين. في البركان المركب الظاهر في الصورة، تثور الصهارة عبر الفتحات الرئيسية والجانبية على هيئة غاز وغالبًا حمم أو غالبًا رماد بركاني (غبار وشظايا أخرى).
|
لماذا تحدث البراكين في أماكن محددة
توجد معظم البراكين على امتداد حزام يُسمّى حلقة النار يطوق المحيط الهادئ، كما تحدث نشاطات بركانية في أماكن أخرى مثل هاواي وأيسلندا وجنوب أوروبا. وتحدث نشاطات بركانية أخرى في قيعان البحار والمحيطات.
وقد طور العلماء نظرية تُسمّى حركية الصفائح القارية. وهي توضح كلاً من سبب حدوث معظم البراكين وغالبية الزلازل ونشوء الجبال في أماكن خاصة ومحددة. وحسب هذه النظرية، فإن القشرة الأرضية الخارجية مقسمة إلى عدد من القطع الصخرية الصلبة القوية تسمى صفائح. تنزلق هذه الصفائح وتتحرك باستمرار فوق غلاف من الصخر المنصهر جزئياً. وتقدر حركة هذه الصفائح بنحو 1,5-20سم في السنة. وعند تحرك هذه الصفائح تتصادم حوافها المتجاورة أو تتباعد أو تنزلق واحدة فوق الأخرى. وتقع معظم البراكين على امتداد حواف هذه الصفائح. وتوضح خريطة توزيع البراكين حواف الصفائح والنشاط البركاني الممتد على امتداد هذه الحواف.
وتنشأ معظم البراكين نتيجة تصادم صفيحتين. ثم يعقب هذا التصادم اندساس وغوص إحدى الصفيحتين تحت الأخرى. وعند اندساس الصفيحة فإن حرارة الاحتكاك الحاصل وكذا حرارة جوف الأرض تذيبان جزءًا من مادة هذه الصفيحة، ثُمَّ يصعد هذا الجزء المذاب على هيئة صهارة تنطلق عند وصولها إلى سطح الأرض مكونة بركانًا.
ويحدث مثل هذا النشاط البركاني أيضا عند تباعد صفيحتين، ويكون عادة في قيعان المحيطات. عند تباعد الصفيحتين، تصعد الصهارة الموجودة تحت قشرة الأرض عاليًا بين الصفيحتين وتطفح كميات كبيرة من الحمم على السطح مُشَكِّلة قاع المحيط. وفي بعض الحالات تشكل الصهارة سلاسل جبال تحت مياه المحيطات، مثل الحيد الجبلي الكائن وسط المحيط الأطلسي الذي يمتد على طول المحيط. وتُعدُّ جزيرة أيسلندا والجزر البركانية القريبة منها أجزاء من هذا الحيد الجبلي. وتقع من البراكين ـ كتلك الموجودة في هاواي ـ بعيدًا عن حواف الصفائح. ويعتقد بعض العلماء أن هذه البراكين قد تطورت عند صعود عمود ضخم من الصهارة من باطن الأرض إلى سطح الأرض.وهذا العمود يُسمَّى ريش الوشاح. وقد يبلغ قطره ما يقرب من 150 كم، كما أنه يصعد بمعدل يصل مابين 15-25 سم سنويًا. وفي بعض الحالات يقترب هذا العمود إلى حد كاف من سطح الأرض، بحيث يصعد جزء من الصهارة ويخترق الأرض بركانًا.
فوائد البراكين
تُعدّ البراكين من أشد القوى الطبيعية المدمرة على الأرض. فمنذ القرن الخامس عشر الميلادي، قتلت البراكين ما يقرب من 200,000 شخص. وعلى الرغم من هذا فإن البراكين تقدم بعض المنافع مثل، استخدام مواد بركانية عديدة في الاستعمالات الصناعية والكيميائية المهمة. كما أن الصخور المكونة من الحمم غالبا ماتُستعمل في بناء الطرق. ويستعمل حجر الخفاف ـ وهو زجاج طبيعي ينتج عن الحمم ـ في طحن وصقل الأحجار والفلزات وبعض المواد الأخرى. وتستعمل رواسب الكبريت الناتجة عن ثورات البراكين في إنتاج المواد الكيميائية. كما يؤدي الرماد البركاني المتجوي إلى تحسين خصوبة التربة.
يَستعمل الناس في كثير من المناطق البركانية البخار الجوفي كمصدر للطاقة. كما تستخدم الطاقة الحرارية الجوفية لإنتاج الكهرباء في بعض الأقطار كإيطاليا والمكسيك ونيوزيلندا والولايات المتحدة. وفي ريكيافيك في أيسلندا يُدفئ معظم الناس منازلهم باستعمال المياه المسحوبة من الينابيع البركانية الحارة.
وأخيرًا فإن البراكين تُعدُّ نافذة إلى باطن الأرض. فالمواد المقذوفة من باطن الأرض تساعد العلماء على معرفة ظروف وأحوال باطن الأرض.